4 أكتوبر 2022

رقمنة الوجهة: مستقبل الخدمات اللوجستية

يسلط الضوء

يقف قطاع الخدمات اللوجستية على أعتاب تحولّ رقميّ كبير؛ ولتسريع عمليّة التحوّل تلك وضمان التكامل وكفاءة الأداء للوصول إلى اقتصاد قوي، ينبغي العمل على دمج الحلول التقنية المتقدّمة في جميع مراحل سلسلة التوريد؛ حيث يعتمد المستهلكون والشركات والحكومات جميعًا على سلاسل التوريد المتداخلة للحصول على السّلع الأساسية التي تحفّز حركة التجارة، بدءًا من المنتجات الطازجة والأدوية، ووصولًا إلى الطرود البريدية والسّلع المغلفة.

وأدى الاضطراب في سلاسل التوريد حول العالم، الذي صحب انتشار الجائحة مؤخرًا، إلى عدم توفّر بعض المنتجات. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في ميناءي لوس أنجلوس ولونج بيتش في شهر يناير 2022، حيث شهد الميناءان تسجيل رقم قياسيّ لعدد سفن الحاويات التي تنتظر الرسوّ وقد بلغ 105 سفينة، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على حركة الشحن وخصوصًا أن 90 في المائة من تدفّق حركة التجارة العالمية يأتي عبر البحر.

وبرغم التحدّيات المباشرة التي يواجهها قطاع الخدمات اللوجستية على مستوى العالم، فقد كانت بمثابة محفّزات للابتكار بهدف الحدّ من الاختناقات التي تعاني منها حركة الشحن على المديين القريب والبعيد.

التطوّر الرقميّ لسلسلة التوريد

تتميز دولة الإمارات بموانئها ذات البنية التحتية المتطوّرة، وبقدراتها التقنية، وموقعها الإستراتيجي ضمن دائرة جغرافية قطرها 8 ساعات طيران تقطنها نسبة 80 في المائة من سكّان العالم، ممّا يجعلها محطّ أنظار المستثمرين العالميين في قطاع سلاسل التوريد الذكيّة.

وبحسب وزارة الاقتصاد الإماراتيّة، يُسجّل القطاع التجاري نموًّا سنويًّا بمستويات قياسيّة؛ حيث بلغت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية رقمًا غير مسبوق وتجاوزت 1 تريليون درهم في النصف الأول من عام 2022، بمعدّل نموّ نسبته 17 في المائة عن قيمتها في النصف الثاني من عام 2021، في حين بلغت قيمة الصّادرات غير النفطية حوالي 180 مليار درهم للمرّة الأولى في تاريخها.

ومع توجّه المزيد من الأشخاص إلى العمل عن بُعد، ارتفع معدّل ذروة إنفاق المستهلكين من 39 إلى 47 في المائة منذ عام 2020، مما أضاف مزيدًا من الضغط على سلاسل التوريد. وخلال العامين الماضيين، شجّعت وتيرة نموّ قطاع التجارة الإلكترونية والتحوّل الرقمي شركات الخدمات اللوجستية على توجيه أولوياتها نحو رفع كفاءة عمليات التوزيع، من خلال نشر الأتمتة وإنترنت الأشياء وتقنيّة "البلوك تشين" واتّباع أحدث الإجراءات لإدارة المستودعات.

ورغم ذلك، لا تزال الخدمات اللوجستية، في كثير من المناطق الجغرافية، تعتمد إلى حدّ كبير على عمليات المستندات الورقية اليدوية، والتي تجاوزتها القطاعات الأخرى بصورة ملحوظة. وبالنّسبة للشركات العاملة في قنوات التوزيع المختلفة فإن التداخلات الهائلة لسلاسل التوريد العالمية تسهم بشكل مباشر في جعل مشاركة المعلومات عقبة ينبغي تجاوزها.

وتم إحراز تقدّم ملحوظٍ في المنظومات اللوجستية المتداخلة والمدعومة رقميًا. ومن الأمثلة الناجحة على ذلك، "إئتلاف الأمل" في إمارة أبوظبي، الذي أظهر إمكانيّة الجمع بين الجهات الرائدة في هذا القطاع، مثل دائرة الصحّة – أبوظبي، والاتحاد للشحن، و"مجموعة موانئ أبوظبي"، و"رافد" و"سكاي سيل"، بهدف توزيع اللقاحات على مستوى العالم. وفي خطوة أبعد من ذلك، شارك ميناء لوس أنجلوس مع "جنرال إلكتريك للنقل" في ابتكار أول نظام لمشاركة معلومات "مجتمعات الموانئ" في الولايات المتحدة الأمريكية.

الاستثمار في التقنيات الرقمية يحدّ من التّكلفة ويسهّل حركة البضائع

من المؤكد أن الاستثمار في شبكة لوجستية تعتمد على التقنية يُعدّ ضرورة للحدّ من الاختناقات في سلاسل التوريد. وقد انعكست فائدة تحقيق ذلك على قطاع الأعمال، حيث أظهر تقرير نُشر مؤخرًا أن معظم المؤسسات التي تنتقل من منظومة سلسلة التوريد الورقيّة إلى الرقمية قد وفرت حوالي 7 في المائة من تكاليف التشغيل، كما حقّقت زيادة في العائدات تقارب 8 في المائة على أساس سنويً. وبالنسبة للأعمال التجارية التي تدرّ 5 مليارات درهم في إمارة أبوظبي، فإنّ تلك النسبة ستعادل ما قيمته 400 مليون درهم إضافية في الإيرادات بالإضافة إلى توفير 350 مليون درهم سنويًا.

ونشرت "مجموعة موانئ أبوظبي"، التابعة لمحفظة "القابضة" (ADQ)، أوّل "نظام لمجتمع الموانئ" (PCS) في دولة الإمارات. ومن خلال "بوابة المقطع" أنجزت المجموعة أكثر من 30 مليون معاملة عبر الإنترنت، كما تعمل حاليًّا أيضًا على تطوير منصّة التجارة والخدمات اللوجستية المتقدّمة "أطلب"، والتي ستدمج بين التجارة عبر المنافذ البحرية والبرية والجوية والسكك الحديدية، كما ستربط بين المناطق الصناعية والحرّة في إمارة أبوظبي. وبالاعتماد على هذه الاستثمارات، أطلقت "بوابة المقطع" أيضًا نظام "مارجو"، السوق الرقميّ الإماراتيّ للوجستيّات. وتتيح هذه المنصّة الشاملة للمستهلكين إمكانية استيراد البضائع مباشرة من أي مكان في العالم عبر ميناء خليفة أو مطار أبوظبي الدولي. ومن الجدير بالذّكر أن "مجموعة موانئ أبوظبي" قامت، في وقت سابق من هذا العام، بإدراج أسهمها في سوق أبوظبي للأوراق المالية (ADX)، وترتّب على ذلك توفير أكثر من 212 ألف وظيفة على مستوى دولة الإمارات، كما ساهمت بنسبة 21 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لإمارة أبوظبي في عام 2021.

ولا تقتصر فائدة هذه الحلول التطويرية على المساعدة في ترسيخ مكانة إمارة أبوظبي كمركز تجاري ولوجستي عالمي رائد فحسب، بل ستسهم أيضًا في تحسين الكفاءة والإجراءات مع زيادة الشفافية والقدرة على استشراف المستجدّات ضمن شبكة التوريد.

محفّزات تسريع سلسلة التوريد الذكية

تُعدّ زيادة المرونة في سلاسل التوريد أمرًا ضروريًا للصمود أمام التقلّبات الاقتصادية، ولتحسين الكفاءات في قطاع الخدمات اللوجستية العالمية. فبالإضافة إلى فائدتها المباشرة في خفض تكاليف التجارة، وتمكين المستهلكين من استلام البضائع والشحنات بشكل أسرع، تسهم سلسلة التوريد أيضًا في تحسين الأداء التجاريّ الذي يُعزز المرونة الاقتصادية.

وتُمثل القدرة على التنسيق بين تدفّق المعلومات الإلكترونية وإعداد التقارير خطوة أولى كبيرة على هذا المسار، ولكن ذلك يعتمد بشكل خاص على توفّر أنظمة قابلة للتشغيل البينيّ، ومتوافقة تمامًا مع اللوائح التنظيميّة، مما يُسهل في نهاية المطاف تكامل سلاسل التوريد متعدّدة الوسائط. ولتحقيق ذلك، يجب إيلاء اهتمام أكبر للشراكات بين القطاعين العام والخاص والموانئ وشركات الخدمات اللوجستية ووكلاء الشحن وسلطات الجمارك والمؤسسات الحكوميّة.

كذلك، لا يمكننا تجاهل أهمية الاستثمار في الارتقاء بالمعرفة والمهارات الأساسية الضرورية للمواهب المحلية، وذلك بهدف تطوير واعتماد التقنيات التي يمكنها الحفاظ على شبكة إمداد ملائمة للمستقبل. وسيسهم الموقع الإستراتيجي الذي تتمتّع به دولة الإمارات، والبنية التحتية ذات الجودة العالية، وقنوات التوزيع المتطوّرة في ضمان تواصل الإمدادات دون انقطاع.

وفي صميم ذلك كلّه تكمن الفرص الكبيرة من خلال الاستثمار في سلاسل التوريد المرنة تلك، وتحفيز الريادة في هذا القطاع الذي يُعزز من قدرات التجارة العالمية. وإذا ما تحقّق ذلك، فإن مكانة إمارة أبوظبي ودولة الإمارات ستترسخ كونهما مناطق محفّزة للنموّ داخليًا وعلى صعيد الاقتصادات العالمية.

بقلم: الدكتور ياب كالكمان، رئيس مجموعة المحافظ الاستثمارية في "القابضة" (ADQ)

No items found.

نبذة عن "القابضة" (ADQ)

تأسّست "القابضة" (ADQ) في عام 2018، وهي شركة استثمارية قابضة في إمارة أبوظبي تمتلك محفظة واسعة من الشركات الكبرى تمتد استثماراتها إلى القطاعات الرئيسية ضمن اقتصاد دولة الإمارات المتنوّع، في مجالات الطاقة والمرافق والأغذية والزراعة والصحة وعلوم الحياة والنقل والخدمات اللوجستية وغيرها. وانطلاقًا من كونها شريكًا إستراتيجيا لحكومة أبوظبي، تلتزم "القابضة" (ADQ) بالمساهمة في عملية تسريع وتطوير اقتصاد الإمارة ليكون قائمًا على المعرفة وأكثر تنافسيةً على المستوى العالمي.

لمزيد من المعلومات يرجى زيارة adq.ae أو المراسلة على media@adq.ae. كما يمكنكم متابعة "القابضة" (ADQ) على مواقع التواصل الاجتماعي في اكس، وإنستاغرام، ولينكدإن.

إرسل أخبار ورؤى "القابضة" (ADQ) مباشرةً إلى بريدك الإلكتروني

Latest News

The ADQ FWD platform brings together industry experts, government, and advocacy leaders to discuss and address issues of economic and strategic importance for the UAE.